في قلب الغابة الملعونة

                             في قلب الغابة الملعونة


كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحًا حين انطلق سامي، شاب في السابعة عشرة من عمره، مع أصدقائه الثلاثة: سليم، ناديا، ومراد، في رحلة استكشافية إلى الغابة السوداء، التي حذّرهم الجميع من دخولها. كانت الغابة تحيط بها أساطير مرعبة، تتحدث عن أرواح غاضبة، وأصوات غامضة تُسمع عند الغروب، لكنهم لم يُعروا كل ذلك اهتمامًا. أرادوا المغامرة، أرادوا شيئًا يختلف عن أيامهم المملة.

دخلوا الغابة بحماس، ضاحكين، يسجلون مقاطع فيديو لهواتفهم وينشرونها على مواقع التواصل. كان كل شيء يبدو طبيعيًا في البداية، لكنهم لاحظوا أن الطيور توقفت عن التغريد، والهواء أصبح أثقل، والضوء خافتًا رغم أن النهار لم يزل في بدايته.

قالت ناديا، وهي تنظر إلى البوصلة:

"هذا غريب... الاتجاه لا يتغير، كأننا ندور في حلقة مغلقة".

ضحك سليم ساخرًا:

"ربما الغابة سحرية، أو نحن من سقط في فيلم رعب!"

لكن سرعان ما خفتت ضحكاته، حين سمعوا صوت صراخ يأتي من بعيد، ثم تبعه صوت خطوات ثقيلة تتقدم نحوهم ببطء. تجمد الجميع في مكانهم.

صرخ مراد:

"اركضوا!"

ركضوا دون أن يعرفوا إلى أين. وبينما كانوا يركضون، تعثرت ناديا وسقطت. عاد سامي فورًا ليساعدها، بينما أكمل الآخران الجري. ساعدها على النهوض، لكن حين التفتا، لم يجدا أثرًا لصديقيهما.

"سامي... أين ذهبوا؟!" قالت ناديا، ويدها ترتجف.

"لا أعلم... لكن يجب أن نبقى معًا".

قررا مواصلة السير بحثًا عن مخرج. ساعات مرّت، وكل شيء بدا وكأنه يتكرر: الأشجار نفسها، الصخور نفسها، حتى صوت الرياح بدا مألوفًا. بدأت الشمس تغرب، وزاد الظلام من رهبة المكان. فجأة، وجدا كوخًا صغيرًا، قديمًا ومهجورًا، وسط الأشجار الكثيفة. دخلاه بحثًا عن مأوى.

داخل الكوخ، عثرا على دفتر جلدي قديم. فتحه سامي، وبدأ يقرأ. كان يحتوي على مذكرات لشخص يُدعى "ياسين"، استكشف الغابة قبل 20 عامًا، ولم يخرج منها أبدًا. كتب ياسين عن "روح الحارس"، كيان يحرس الغابة ويُعاقب من يستهزئ بها أو يتعدى حدودها.

أدرك سامي وناديا أن تصرفاتهم الطائشة كانت السبب. قرر سامي أن يكتب رسالة اعتذار في نهاية الدفتر، يخبر فيها الروح أنهم لم يقصدوا الإهانة، وأنهم يطلبون العفو. وضع الدفتر في مكانه، وانحنيا احترامًا، ثم جلسا ينتظران.

في الصباح، استيقظا ليجدا نفسيهما عند مدخل الغابة، بسلام، وأمامهما سليم ومراد، نائمين وكأن شيئًا لم يحدث.

خرجوا جميعًا من الغابة دون أن يتفوه أحد بكلمة. لم ينشروا أي شيء عن رحلتهم، ولم يعودوا للمكان مرة أخرى. لكن سامي احتفظ بالدروس التي تعلمها: "ليس كل شيء للضحك أو الاستخفاف. هناك أماكن، وأرواح، وتاريخ... تستحق الاحترام."

تعليقات