الشحاذ الكذاب
في أحد الأحياء الشعبية، كان هناك رجل يُدعى "سعيد". كان سعيد معروفًا في الحي بلقب "الشحاذ الكبير"، فقد كان يُتقن فن استدرار العطف بمهارة فائقة. يُقال إنه لم يكن فقيرًا بالفعل، بل كان يملك بيتًا متواضعًا، وبعض المال الذي خبأه بعناية، ولكن طمعه وحبه للمال دفعاه إلى امتهان الشحاذة.
كان سعيد يظهر كل يوم بثياب بالية، يجلس على زاوية شارع مزدحم وهو يتظاهر بالعرج والعجز، ممسكًا بعلبة صدئة يجمع فيها ما يجود به الناس عليه. كان يتقن التمثيل لدرجة أن المارة يصدقونه دون تردد، فيعطونه الأموال وهم يدعون له بالصحة والعافية. وكان كلما مرّ يوم، ازدادت أمواله، ولكنه لم يكن يكتفي.
ذات يوم، بينما كان سعيد يمارس هوايته المعتادة، مرّ به رجل يُدعى "حكيم". كان حكيم رجلاً ذا نظرة ثاقبة، وقد لفت انتباهه مدى الإتقان الذي يمارسه سعيد في التظاهر بالعجز. فكر حكيم في خدعة تكشف حقيقة سعيد أمام الجميع، ولكنه قرر أن يكون صبورًا ويجمع الأدلة أولاً.
في اليوم التالي، جاء حكيم إلى نفس الزاوية، لكنه هذه المرة كان متخفيًا في هيئة رجل عجوز. جلس بجانب سعيد وبدأ يطلب المال هو الآخر. في البداية، لم يعطِ سعيد أي اهتمام لحكيم، ولكن عندما لاحظ أن الناس بدأوا يعطون المال لحكيم أكثر منه، استشاط غضبًا وقرر أن يواجهه.
قال سعيد وهو يزمجر: "أيها العجوز! هذه زاويتي! لا يمكنك أن تأخذ رزقي بهذه السهولة!". رد حكيم مبتسمًا: "وهل للرزق زوايا يا صاحبي؟ أليست السماء هي من توزع الأرزاق؟".
لم يعرف سعيد كيف يرد، لكنه شعر بالقلق. واستمر اليوم كما هو، كل واحد منهما ينافس الآخر على استدرار العطف. ومع مرور الوقت، بدأ حكيم يتحدث للناس عن قصصه المفبركة، وكيف أنه فقد كل شيء بسبب حادث مروع. لكن ما لم يكن يعلمه سعيد هو أن حكيم قد خطط لكل هذا بعناية. ففي المساء، بينما كان سعيد يظن أنه جمع مبلغًا جيدًا، جاء مجموعة من أهل الحي الذين كانوا يراقبون الموقف من بعيد.
أحضر حكيم آلة تصوير خفية وثبتها على مقربة، وقام بتسجيل كل ما حدث. ثم فجأة، وقف وقال بصوت عالٍ: "يا أهل الحي! شاهدوا كيف أن هذا الرجل الذي يدعي الفقر والعجز، يعيش في رخاء وسعادة! لقد سجلت كل شيء. إنه يمثل عليكم ليأخذ أموالكم". فتح الناس عيونهم دهشة، وبدأت همسات الاستغراب تنتشر بين الحضور.
وقف سعيد مذهولاً، لا يدري ماذا يفعل. حاول أن يبرر، ولكن حكيم لم يترك له فرصة. وأخرج من جيبه مقطع الفيديو الذي يظهر سعيد وهو يخلع عكازه ويمشي بطبيعية بعدما ظن أن لا أحد يراقبه.
في نهاية المطاف، انفضح أمر سعيد، وتركه الناس بعدما أدركوا أنه كان يستغل طيبتهم وسذاجتهم. أما حكيم، فقد تعلم الناس منه درسًا عظيمًا: أن العيون لا ترى الحقيقة دائمًا، وأن الصدق هو أثمن ما يمكن أن يملكه الإنسان، مهما كانت ظروفه.