همسات الليل
في إحدى الليالي العاصفة، وبينما كانت الرياح تعصف بكل شيء في طريقها، كان "إلياس" يسير في طريق ضيق بين الجبال القريبة من قريته الصغيرة. كان الظلام كثيفًا، ولم يكن معه سوى مصباح قديم يضيء بالكاد بضع خطوات أمامه. كان إلياس في طريقه إلى منزل عائلته بعد أن زار قريبًا له في قرية مجاورة، ولكنه شعر بشيء غريب تلك الليلة. كانت الرياح تصدر أصواتًا أشبه بهمسات غامضة.
بينما كان يسير، لاحظ في الأفق ظلًا يتحرك بسرعة بين الأشجار. توقف للحظة، قلبه ينبض بشدة. "هل هناك شخص آخر في هذا المكان؟" تساءل إلياس في نفسه. حاول أن يطرد هذه الفكرة من رأسه واستمر في السير، لكن الظل لم يختفِ. بل بدأ يظهر بشكل أوضح، وكأنه يتبعه.
تسارع خطواته، وبدأ قلبه ينبض بسرعة أكبر. فجأة، سمع صوتًا يأتي من خلفه. استدار بسرعة ليرى مصدر الصوت، لكنه لم يجد شيئًا. كانت الأرض مغطاة بالضباب، والمكان يزداد غموضًا. ثم سمع الصوت مجددًا، هذه المرة أقرب بكثير. كان صوت خطوات ثقيلة على الحصى، لكنه لم يتمكن من رؤية أي شيء.
بهدوء وبطء، اقترب من كهف صغير على جانب الطريق. كان الكهف مظلمًا وعميقًا، وكان هناك شيء يجذبه للدخول. تردد للحظة، ولكن فضوله كان أقوى. دخل الكهف بحذر، وبدأ يمشي ببطء. فجأة، سمع صوتًا غريبًا كأنه تنفس ثقيل قادم من أعماق الكهف. تراجع إلياس بخطوات بطيئة، ولكن قبل أن يدرك ما يحدث، انفجر أمامه ضوء ساطع.
في قلب الكهف، وجد إلياس صندوقًا قديمًا مغلقًا بإحكام. شعر بأن هناك شيئًا مهمًا داخل هذا الصندوق، لكن لم يكن لديه مفتاح. بينما كان يحاول فتحه، سمع صوتًا خلفه يقول بهدوء: "لن تجد الإجابة هنا، إلا إذا كنت مستعدًا لتقبل الحقيقة."
استدار إلياس بسرعة ليرى رجلًا عجوزًا يرتدي رداءً طويلًا. كانت عيون الرجل العجوز تحمل حكمة لا يمكن فهمها بسهولة. "ما هذه الحقيقة؟" سأل إلياس بصوت مضطرب.
ابتسم الرجل وقال: "الحقيقة تكمن في داخلك. الصندوق ليس إلا رمزًا لما تحاول اكتشافه في حياتك. الأسئلة التي تراودك هي مجرد بداية لرحلة طويلة نحو الفهم."
اختفى الرجل كما ظهر، تاركًا إلياس مع تساؤلات لا تنتهي. هل كان كل ما رآه حقيقيًا أم مجرد خيال؟ وهل كانت تلك الليلة بداية رحلته الحقيقية لاكتشاف ذاته ومعنى وجوده؟
ترك الكهف وراءه، لكنه لم يترك تساؤلاته.