في ظلال الغابة
كان الليل قد حلّ على القرية الصغيرة، وكانت الرياح تعصف بأغصان الأشجار في الغابة القريبة. قيل إن تلك الغابة ليست مكانًا عاديًا؛ فالقصص المتوارثة عبر الأجيال كانت تحكي عن أرواح تجوبها ليلاً، باحثة عن من يضل طريقه داخلها. ولكن رغم التحذيرات، كان يونس، الشاب الجريء، مصممًا على التحدي.
قرر يونس الذهاب إلى الغابة وحده تلك الليلة. كان يشعر بالملل من الحياة اليومية في القرية، واعتقد أن المغامرة قد تضيف بعض الإثارة إلى حياته. كانت السماء ملبدة بالغيوم، والقمر لا يظهر إلا من حين لآخر، مما زاد من الغموض المحيط بالمكان.
بينما كان يسير بين الأشجار الملتفة، شعر بوجود شيء غريب يراقبه. التفت يمينًا ويسارًا، لكنه لم يرَ شيئًا. حاول طمأنة نفسه بأن هذه مجرد أوهام. واصل السير، لكن مع كل خطوة كان شعور الرهبة يزداد داخله.
فجأة، سمع صوتًا ضعيفًا وكأنه يأتي من بعيد. كان صوت امرأة تبكي. توقف يونس وتردد قليلاً قبل أن يقرر تتبع الصوت. اقترب من مصدر الصوت ليجد امرأة ترتدي ثوبًا أبيض قديمًا، تجلس على الأرض، وتبكي. شعر بالخوف لكنه أيضًا شعر بالشفقة تجاهها. اقترب بحذر وسألها: "هل أنت بخير؟ لماذا تبكين هنا وحدك في هذا المكان؟"
رفعت المرأة رأسها ببطء، وعيناها كانتا مليئتين بالحزن واليأس. "أبحث عن ابنتي"، قالت بصوت خافت، "لقد ضاعت هنا منذ سنوات ولم أجدها أبدًا."
شعر يونس بشيء غريب في كلامها. "منذ سنوات؟ كيف يمكن أن تكون هنا طوال هذه المدة؟" سأل.
أجابت المرأة بصوت هامس: "كل من يدخل هذه الغابة يُحبس فيها... مثلما حُبست أنا."
بدأ الخوف يتسلل إلى قلب يونس. أراد أن يبتعد عنها، لكن قدميه كانتا ثقيلتين وكأنهما تجذرتا في الأرض. فجأة، تحولت المرأة أمامه إلى هيئة مخيفة. وجهها أصبح شاحبًا، وعيناها أصبحتا حفرًا سوداء عميقة. بدأت تقترب منه ببطء، وكأن الهواء نفسه يعيق حركتها.
ركض يونس بكل قوته، محاولًا الهروب، لكنه كان يسمع صوت خطواتها الثقيلة خلفه، تتبعه بلا توقف. كانت الأشجار تحيط به من كل جانب، ولم يستطع تمييز طريق الخروج. أصوات الرياح ازدادت عنفًا، وأصبحت الغابة كلها تبدو وكأنها تحاول حبسه داخلها.
بعد لحظات من الركض العشوائي، وجد نفسه أمام كوخ صغير متداعٍ. دخل يونس بسرعة، وأغلق الباب خلفه، ظانًا أنه قد نجا. جلس يتنفس بصعوبة، محاولاً استعادة هدوئه. فجأة، سمع صوتًا يأتي من داخل الكوخ، وكأنه صوت خطوات بطيئة على الأرضية الخشبية. استدار ليجد طفلة صغيرة تقف في الزاوية، تنظر إليه بعينين واسعتين.
"هل أنت من تبحث عنها؟" قالت الطفلة بصوت خافت.
قبل أن يتمكن يونس من الرد، تحولت الطفلة إلى نفس الهيئة المخيفة التي رأى بها المرأة في الخارج. كان قد أدرك الآن أن الغابة ليست كما تبدو، وأنه عالق وسط كابوس لا نهاية له.
بدأت الجدران تضيق من حوله، والكوخ ينهار ببطء. في تلك اللحظة، سمع صوتًا داخليًا يقول له: "هذه الغابة تأخذ الأرواح، ولا تترك أحدًا يعود."
وهكذا اختفى يونس، وأصبحت قصته جزءًا من الأسطورة التي تحكى للأجيال في القرية. كان هناك درس واحد واضح من قصته: "لا تتحدى المجهول، لأنك قد لا تعود منه أبدًا."