اللغز اليائس

اللغز اليائس



 كان يوسف شابًا مغامرًا، دائم البحث عن التشويق في أماكن لم تطأها قدم. في ليلة شتوية مظلمة، جلس مع أصدقائه في المقهى يتحدثون عن الأساطير المحلية، وأشار أحدهم إلى بيت مهجور خارج القرية. "يقال إنه لا أحد يجرؤ على دخوله منذ سنوات"، قال صديقه بحماس.


قررت المجموعة أنهم سيذهبون لاستكشافه في تلك الليلة. رغم التحذيرات من سكان القرية عن قصص الأرواح التي تسكنه، اعتبرها يوسف مجرد خرافات. انطلقوا نحو البيت في منتصف الليل، والأمطار تضرب الأرض والأشجار تتمايل تحت وطأة الرياح العاتية.


عندما وصلوا، بدت النوافذ المكسورة والجدران المتآكلة وكأنها تحكي قصة البيت بمرور الزمن. الأضواء الضعيفة من مصابيحهم اليدوية لم تكفِ لإضاءة المكان بالكامل، ولكنهم تشجعوا ودخلوا. الخطوات الأولى كانت ثقيلة، وصوت صرير الأرضية الخشبية المهترئة كان كافياً ليجعلهم يتراجعون للحظة، ولكن يوسف كان عازمًا على اكتشاف السر.


في اللحظة التي دخلوا فيها غرفة المعيشة، بدأوا يسمعون همسات غريبة. "هل سمعت ذلك؟" سأل أحدهم وهو يرتجف. كانوا يتجاهلون الأمر في البداية، محاولين الحفاظ على هدوئهم، ولكن الهمسات تزايدت وبدأت تصبح أوضح. "اخرجوا... ليس لكم مكان هنا..." كانت الهمسات تحذيرية، ولكن يوسف تجاهلها واستمر في استكشاف المكان.


بينما كانوا يتجولون، عثروا على باب سري يقود إلى قبو مظلم. "هذا هو المكان الذي سنكتشف فيه السر الحقيقي"، قال يوسف بثقة. نزلوا إلى القبو ببطء، والهواء البارد يضرب وجوههم. عندما وصلوا إلى الأسفل، رأوا جدارًا مغطى بالرموز الغامضة، وفي منتصف الغرفة كان هناك كتاب قديم.


بمجرد أن اقترب يوسف من الكتاب وفتح صفحاته، بدأت الأرض تهتز، وارتفعت صرخات مدوية من كل جانب. فجأة، أُغلقت الأبواب بقوة، وأصبحوا محاصرين. أحد أصدقائه حاول فتح الباب، ولكن بلا جدوى. الهمسات تحولت إلى صرخات، وبدأت أشكال غريبة تظهر من الظلال، كأنها أرواح غاضبة تعود من العالم الآخر.


أحد أصدقائه صرخ: "علينا أن نخرج من هنا الآن!"، ولكن يوسف ظل متمسكًا بمحاولته فهم اللغز، حتى أحس بيد باردة تمسك بمعصمه بقوة. التفت ورأى وجهًا شاحبًا ينظر إليه بعينين فارغتين. لم يكن هناك مجال للتفكير، فقط الرعب. حاول الهروب ولكن يده لم تكن قادرة على الإفلات.


في لحظة اليأس، سمع صوتًا خافتًا يقول: "أغلق الكتاب... بسرعة!" دون تردد، دفع الكتاب بعيدًا وأغلقه بقوة. فجأة، توقفت الصرخات، وعاد السكون إلى المكان. الأبواب انفتحت تلقائيًا، والأشكال الظلية اختفت كما لو لم تكن.


غادروا البيت وهم مذهولون مما رأوه، وعندما عادوا إلى القرية، كان الجميع ينظر إليهم بصدمة. "أنتم أول من عاد من ذلك البيت..." قال كبير القرية باندهاش.


العبرة التي استخلصها يوسف من تلك الليلة كانت واضحة: ليس كل لغز يستحق الاكتشاف. بعض الأبواب من الأفضل أن تبقى مغلقة.

تعليقات