الوادي الملعون
تنبيه هذه قصة حقيقية
في صباح يوم خريفي بارد، اجتمع خمسة أصدقاء في محطة قطار قديمة على أطراف المدينة. كانوا جميعاً متحمسين لرحلتهم إلى الجبال، التي طالما خططوا لها طوال الصيف. قائدهم كان "سامر"، الرجل الجريء والمغامر الذي لا يعرف الخوف. أما "مازن"، فكان شابًا هادئًا لكن فضوله لا يهدأ. "ليلى"، الفتاة الوحيدة بينهم، كانت تشاركهم نفس الروح المغامرة. و"علي" و"سعيد" كانا الأصدقاء المرحين اللذين لا يتوقفان عن المزاح.
وصل القطار وصعدوا بسرعة إلى العربة التي ستأخذهم إلى المحطة الأخيرة قبل البدء بالمشي نحو الجبال. كان الطريق طويلاً، لكن الجميع كان يتحدث ويضحك، ما جعل الوقت يمر سريعاً. عند وصولهم، نزلوا إلى قرية صغيرة على أطراف سلسلة جبال شاهقة. لفت انتباههم تحذيرات أهل القرية عن منطقة محددة في الجبال، أطلقوا عليها اسم "الوادي الملعون". ولكن، كالعادة، سامر ضحك واستهزأ قائلاً: "إنها مجرد خرافات."
بدأت المجموعة رحلتها نحو الجبال، ولم تمضِ ساعات قليلة حتى تغير الطقس فجأة. انقلبت السماء وأصبحت ملبدة بالغيوم الداكنة، وسرعان ما بدأت الرياح تعصف بعنف. بينما كانوا يعبرون واديًا ضيقًا، سمعوا أصواتًا غريبة، وكأنها همسات تخرج من أعماق الأرض. "هل سمعتم ذلك؟" سأل سعيد بقلق. ضحك سامر وقال: "مجرد رياح". لكن ليلى شعرت بشيء غريب، وكأن العيون تراقبهم من الظلال.
فجأة، انهارت الصخور من أعلى الجبل وقطعت طريق العودة. حاولوا الحفاظ على هدوئهم، لكن أصوات غريبة بدأت تحيط بهم من كل جانب. أصوات أشخاص يتنفسون بثقل، وأقدام تمشي خلفهم ولكن لا أحد يظهر.
بحثوا عن مأوى في الجبال، ووجدوا كهفًا مظلماً. دخلوه للاحتماء، لكن الهواء بدا مختلفًا داخله، كأنه أثقل، وأكثر رعبًا. عندما أضاء علي المصباح اليدوي، ظهرت نقوش قديمة على الجدران. تلك النقوش لم تكن عادية. كانت وجوهًا مشوهة، وأشكالاً غريبة لمخلوقات تبدو بشرية ولكن بملامح غير طبيعية. على أحد الجدران، وجدت ليلى نقشًا لخريطة محفورة بشكل غامض. "أعتقد أن هذه الخريطة تقودنا إلى مخرج من هذا الوادي"، قالت.
لكن مع كل دقيقة تمضي، بدأت الأصوات تزداد وضوحًا، وتحولت الهمسات إلى صرخات مرعبة. بدأت الأرض تهتز تحت أقدامهم، وكأن شيئًا في عمق الجبل يستيقظ. قرروا التحرك بسرعة قبل أن يحدث شيء مرعب أكثر. ومع تقدمهم عبر الممرات الجبلية، بدأت الأحوال تزداد سوءًا. شعرت ليلى بلمسات باردة على كتفها لكنها لم ترَ أحدًا. أما مازن، فقد رأى ظلالاً تتحرك بين الأشجار على حافة رؤيته، وكأن هناك كائنات تراقبهم في صمت.
كلما تقدموا، زاد شعورهم بأنهم في مكان لا يجب أن يكونوا فيه. في إحدى الليالي، استيقظ سعيد ليجد سامر واقفًا عند حافة الهاوية، عيناه مفتوحتان لكن ملامحه جامدة، كأنه في غيبوبة. حاول سعيد إعادته، لكن سامر تمتم بكلمات غريبة قبل أن يعود إلى وعيه. "لا أذكر شيئًا... ولكن، شعرت بأن شيئًا ما يهمس لي"، قال سامر بصوت مرتعش، لأول مرة يظهر عليه الخوف.
وصلوا أخيرًا إلى نقطة تطل على وادٍ مخيف، ممتلئًا بأصوات الرياح التي تشبه الصراخ. كانت الخريطة تشير إلى أنه عليهم عبور الوادي للوصول إلى بر الأمان. لكن حينما بدأوا العبور، بدأ الضباب الكثيف يغمر المكان، وظهرت أمامهم أشباح باهتة، أشخاص مشوهون بأجساد نصف مفقودة. "علينا الإسراع!" صرخ مازن.
ركضوا بأقصى سرعة، لكن الظلال كانت تقترب أكثر وأكثر، كأنها تطاردهم. سمعوا أصوات خطوات ثقيلة خلفهم، وصوتاً يشبه الهسهسة: "لن تغادروا هذا المكان... أبداً."
في اللحظة التي شعروا فيها بأنهم سيُمسكون، وصلوا إلى الجانب الآخر. كانت الشمس قد بدأت بالظهور من بعيد، والأصوات اختفت فجأة. استداروا ولم يروا شيئًا سوى الوادي الصامت. كان الجميع مصدوماً، ولكن سامر، الذي كان أكثر من اعتاد على الاستهزاء، بدا هادئًا بشكل غريب. قال بصوت منخفض: "لقد كانوا هناك... ولا يزالون ينتظرون."
عندما عادوا إلى القرية، لم يتحدثوا عن ما حدث، ولكن كل واحد منهم كان يحمل داخله ذكرى مخيفة، ذكرى تلك الكائنات التي تطارد الأرواح التائهة في "الوادي الملعون".