السعادة الحقيقية

 السعادة الحقيقية


في أحد الأزمنة القديمة، وفي مدينة كبيرة يعجّ بها الناس والحركة، عاش شاب طموح يُدعى عمر. كان عُمر معروفًا بين الناس بذكائه الكبير وحسن تدبيره، لكنه كان يشعر دائمًا بأن هناك شيئًا ينقصه في حياته. كان يسعى جاهدًا وراء المال والشهرة، ويضع كل جهوده ليصبح أغنى رجل في المدينة. كلما زادت ثروته وتضاعف ماله، كان يشعر بفراغٍ أكبر في قلبه، وكأن السعادة كانت تبتعد عنه رغم الأموال التي جمعها.


في إحدى الليالي، وبينما كان عمر يجلس وحيدًا في قصره الفخم، سمع طرقًا خفيفًا على الباب. فتح الباب ليجد شيخًا عجوزًا يرتدي ثيابًا بسيطة، وجهه مليء بالتجاعيد التي تحمل حكايات الزمن، وعيناه تلمعان بحكمة عميقة. قال الشيخ بهدوء: "يا بني، أتيت إليك برسالة من الله." تفاجأ عمر وسأله بتردد: "ما هي هذه الرسالة؟" أجاب الشيخ: "إن الله قد أنعم عليك بمال كثير، لكن قلبك لا يعرف السعادة. المال وحده لن يمنحك الراحة النفسية، بل الإيمان والرضا هما مفتاح الطمأنينة والسكينة."


رغم أن عُمر لم يكن مقتنعًا تمامًا بكلام الشيخ في البداية، إلا أنه شعر بشيء غريب يلامس قلبه. دعاه الشيخ للانضمام إليه في صلاة الفجر في المسجد القريب. وبعد تردد طويل، قرر عمر الذهاب في اليوم التالي. عندما دخل المسجد، شعر بالهدوء يغمر المكان. وقف بين المصلين وبدأ يصلي لأول مرة منذ سنوات طويلة. أثناء تلاوة الفاتحة، شعر بنورٍ داخلي يتدفق إلى قلبه، كأنه وجد أخيرًا شيئًا كان يبحث عنه.


بعد انتهاء الصلاة، جلس عمر بجانب الشيخ وسأله بفضول: "لماذا أشعر بهذا الشعور العميق؟" ابتسم الشيخ وقال: "لقد اقتربت من الله يا بني. كنت تبحث عن السعادة في الدنيا وأموالها، لكنها كانت هنا، في قلبك، تنتظر أن تفتح لها باب الإيمان."


منذ ذلك اليوم، تغيرت حياة عُمر تمامًا. تخلى عن سعيه المحموم وراء المال، وبدأ يساعد الفقراء والمحتاجين. بات يقضي وقته في العبادة ومساندة الآخرين، ووجد في ذلك سعادة ورضا لم يعرفهما من قبل. وهكذا، أدرك عُمر أن السعادة الحقيقية ليست في الدنيا ومتاعها، بل في الإيمان بالله والرضا بما قسمه له.

تعليقات